ونَحْنُ نَعْلَمُ أنَّ الله أَقَامَ على السَّحَابِ ملائكةً توجِّهُهُ، وهي مأمورَةٌ أنْ تُنْزِلَهُ في المواقِعِ المُحَدَّدَةِ لهُ، وهذَا الصَّوتُ الَّذي سَمِعَه ذلك الرَّجُلُ صَوْتٌ بلاَ شكٍّ، وَسُنَّةُ الله أَنَّنَا لا نَسْمَعُ خِطَابَ الملائِكَةِ إلاّ لِحِكْمَـةٍ، والحِكْمَةُ في سَمَاعِ ذَلكَ الرَّجُلِ أنّ الله يُريدُ تَعْريفَنَا بالخَيْرِ والبَرَكَةِ الّتي تَجْلُبُهَا اسْتقامَةُ صاحِبِ الزَّرعِ لِزَرْعِـهِ.
وقَدْ اسْتَثَارَ ذلكَ الصَّوتُ الرَّجُلَ الَّذي سَمِعَهُ، فأَحَبَّ أنْ يَعْرِفَ هذَا الرَّجُلَ الَّذي ذُكِرَ اسمُهُ في السَّحَابِ، فَنَظَرَ حَيْثُ أَفْرَغَتِ السَّحابَةُ ماءَهَا، فإذا هي قَدْ أَمْطَرَتْهُ في حَرَّةٍ مِنَ الحِرَارِ، وهي أَرْضٌ كثيرةُ الحِجَارةِ، حِجارَتُها سَوْدَاءُ، ونَظَرَ الرَّجُلُ إلى الأمْطَارِِ الَّتي نَزَلَتْ على الأَرْضِ، فوجدَهَا تُشَكِّلُ قَنَوَاتٍ ومَسَائِلَ تَتَّجِهُ اتِّجَاهًا مُحَدَّدًا، فَتَتَبَّعَ مَسَائِلَ الماءِ، وسارَ معَهَا حتّى رآها تَصِلُ إلى حَديقَةٍ، ورأى رَجُلاً قاِئمًا في الحَديقَةِ يَحُولُ الماءَ بِمِسْحَاتِهِ في قَنَواتِ حَديقَتِهِ، هنَا وهناكَ، وتوقَّفَ ذلك الرَّجُلُ عِنْدَ صاحِبِ الَحديقَــةِ، وسألَهُ عَن اسْمِهِ، فَوَجَدَهُ الاسْمَ الَّذي سَمِعَهُ في السَّحَابِ.
واستغْرَبَ صاحِبُ الَحديقَةِ سُؤَالَ السَّائِلِ، فأَعْلَمَهُ عَنْ خَبَرِهِ، وعَن اسْمِهِ منَ السَّحابِ،وأنَّ أَمرًا صَدَرَ لِلمُوكَّلينَ بِتِلْكَ الغَمَامَةِ بِسَقْيِ حَديقَتِهِ، وهُنا سألَهُ عنِ السَّبَبِ الَّذي استَحَقَّ به أَنْ يُؤْمَرَ السَّحابُ بسقيِ حَديقَتِهِ، إذْ لا شكَّ في أَنَّه يعملُ عملاً أَرْضَى بِهِ رَبَّه، فأَخْبَرَهُ أنَّهُ يَنْظُرُ إلى نِتَاجِ مَزْرَعَتِهِ، فَيَقْسِمُهُ إلى ثلاثةِ أقسامٍ: قِسْمٌ يَتَصَدَّقُ بِه على الفُقراءِ والمسَاكِينِ وأَصْحابِ الحاجَةِ، وقِسْمٌ يَجْعَلُهُ لِمَعَاشِهِ ومَعَاشِ عِيَّالِهِ، والقِسْمُ الثَّالِثُ يَرُدُّهُ فِي حَدِيقَتِهِ.
ونَحْنُ نَعْلَمُ أنَّ الصَّدقةَ تَحْفَظُ المالَ وتُزَكِّيهِ وتُبَارِكُهُ، ونَفَقَةُ المرءِ على عيَّالِهِ واجبٌ أَوْجَبَهُ الله عَلَيْهِ، ورِعَايَةُ البُسْتَانِ بالَحرْثِ والتَّسْمِيدِ والسَّقيِ مِنْ أَسْبابِ الحِفْظِ، وبذلكَ يَظْهَرُ لك أنَّ هذا الرَّجُلَ كان يُمَثِّلُ المُزارعَ المُسْلِمَ، الَّذي يَعْرِفُ حقَّ ربِّهِ عليهِ، كما يَعْرِفُ حَقَّ نَفْسِهِ وأَهْلِهِ، وهو في الوَقْتِ ذاتِهِ خَبِيرٌ بالطَّريقةِ العِلْمِيَّةِ لإِصْلاحِ الأرضِ واستِثْمَارِهَا.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق